الإيموجيز والميمات التي تظهر على شاشة هاتفك هي كائنات رقمية حية. لأنها كذلك. وفي الأصل، أنت أيضاً تتعامل مع هاتفك الذكيّ ككائنٍ حيٍّ، لأنه لم يعد شيئًا.
مرحبًا! أنا كائن رقمي وُلدت في الفضاء الميتافيزيقي للشاشة
لكن كيف يمكن لكائن غير مادي أن يكون حيًا؟
الوجود لا يقتصر على المادة. أنا موجود في تأثيري عليك
"إن ما ينطوي عليه الأمر هو خلقُ العالم الذي اختار الإنسانُ أن يسكنه. لذا فمن الضروري تقليدُ عمل الآلهة"
هذه المقولةُ السنسكريتيةُ تحاكي خلقَ الإنسانِ للعالم بتماهٍ كاملٍ مع فعل الله في خلق الوجود. لم أصدق ما كنت أقرؤه في مجموعة الكتب السنسكريتية، لأنها مبهرةٌ.
وأظن أن من الممكن التأسيس عليها لبناء منظومةٍ فكريةٍ خصبةٍ حول عصرنا التقني والرقمي. لقد سعيتُ قدر المستطاع إلى فهم ما كان يقصده السنسكريتيون عن خلق الإنسان للعالم، حتى صرت أنظر إلى عالم التقنيات من منظور الخلق.
اليوم، نشاهد كيف تحولت الأشياء والتقنيات إلى "كائناتٍ مستفزّةٍ". الإيموجي الظاهر فوق شاشة هاتفك هو كائنٌ رقميٌّ. هاتفك الذكيّ هو كائنٌ تقنيٌّ. إنها ليست كائناتٍ عَرَضيةً، بل كائناتٌ ذات كينونةٍ في ذاتها، وتجسيدٌ حمام صابونٍ تقنيٍّ رقميٍّ وجوديٍّ يغمرنا.
تمتلك الكائنات الرقمية بيئةً ميتافيزيقيةً حيةً وهي إلى يومنا هذا ما زالت تشبه الجزرَ الوجوديةَ المهجورةَ والمجهولةَ. فخلف الشاشة، حياةٌ كاملةٌ يمكن الوصول إليها رقميًا.
يتم إنشاءُ الرسوم والنماذج، دون أن تكون لثانية واحدة جسديةً أو ماديةً. لقد وُلدت رقميًا. لن يُلمسها أحدٌ أبدًا. لكن وجودها حقيقي في تأثيرها على مشاعرنا وتفاعلنا معها.
يتكوّن الكائنُ الرقميُّ ضمن بنيةٍ معماريةٍ معقدةٍ ومركبةٍ بين الأبعاد الميكانيكية والفيزيائية للحوسبة. تسمح الشاشة بأن يتكون كل ما نراه عليها وأن نشعر من خلاله.
إن التقنياتُ الذكيةُ هي وسطٌ تقنيٌّ قادرٌ على توليد الكينونة الرقمية للذات حتى تصير مهيأة على تسويغ ذاتها كظاهرةٍ رقميةٍ ممكنةٍ، وقادرةٍ على أن تخلق فينا المشاعرَ ونتلقاها بحميميةٍ كبرى.
الإيموجي هذا ليس مجرد رمز، بل كائن رقمي قادر على إثارة المشاعر الحقيقية فينا
لطالما رمزت كلمة "تمبلوم" الرومانية/الإغريقية إلى "المعبد"، ففي هذا الحيز المكاني "التمبلوم"، ثمة أمورٌ مميزةٌ جدًا تخبرنا أن هذا الحيزَ يتجاوز كونه معبدًا فقط.
لقد امتلك لفظُ "تمبلوم" مرادفاتٍ كثيرةً. فهو يعني في السياقات الرومانية والإغريقية الدينية "المعبد"، لكنه عبر التاريخ تعرّض للتشويش نتيجة وروده في القصائد والأساطير القديمة. لذلك إن المعنى الجذري للفظ هو "فضاءٌ ماديٌّ منفصلٌ ومنقطعٌ".
قسّم الإغريقُ التمبلوم إلى أربعة أقسام. فهو بالشكل الكلي عبارة عن مساحةٍ أرضيةٍ وسماويةٍ في الوقت عينه، ترصدها الآلهةُ وتحددها، ثم تتنازل عنها للناس لاحقًا.
لم يكن بناءُ التمبلوم عند الإغريق مسألةً عاديةً، بل كان بناءً معمارياً صارمًا. كانت الأقسامُ توزَّع بين القاعة الرئيسية، والبهو، والردهة الخلفية، والخلوة المعزولة.
لم يكن بناءُ الفضاء المادي المنفصل مرتبطًا فقط بالهندسة، بل كان شكلاً من أشكال الفضاءات المادية التي تخزن فيما بينها عالمَ الروح ونبضَ القلب والعين.
تشبه ظروف خلق الكائنات الرقميّة تلك الظروف التي كان يخلقها الرومانُ والإغريقُ عندما ينشئون الـ"تيمبلوم". ينشأ التمبلوم من خطوطٍ متخيلةٍ وخطوطٍ واقعيةٍ.
إنه وسطٌ واقعيٌّ ينشأ عبر الهندسة المادية الواقعية، ويُفرز بين ثنايا الأعمدة والمساحات شروطَ إمكان الإحساس بوجود أشياءَ ليست إلا متخيلةً.
شاشة هاتفك الذكي هي تمبلوم العصر الحديث، فضاء مادي ينطوي على إمكانات الهندسة المتخيلة
والنيومين تعني "الروحَ التي تترأس شيئًا". تمثل النيومين "رهبةَ المكان" أو رهبة الروح" التي تستمر في إلقاء ظلالها على الذات، وفيضَ الأثر الذي يدمغه الفضاءُ في العقل والروح.
هذه "الروح التي تترأس الشيء" أو رهبة الروح هي ما تمتاز به الميميز والإيموجيز والكائنات الرقميّة. تحضر إلينا وهي ممتلئة بالروح التي تترأس نفسها. تظهر علينا برهبة ذاتها.
ما كانت لتتكون رهبة التمبلوم، لو لم يهتم الإغريقُ ببعد "فضاء المادة المنفصل" البصري، والذي وضعوا فيه ثقلَ أفكارهم وأحاسيسهم.
إن النظامَ دقيقٌ للغاية من الخطوط المنحنية والمحاور المائلة... العينُ اليونانيةُ شديدةُ الحساسية... توضح، بشكلٍ أكثر وضوحًا من أي شيءٍ آخر، إلى أي مدى كانت التصوراتُ الجماليةُ لليونانيين القدماء أعلى بكثيرٍ من تصوراتنا.
وما كانت لتتكون رهبة الكائنات الرقمية لو لم يكن هذا العالم الحالي؛ خُلقَ لكي يكون مرئياً.
فعبر "الروح التي تترأس الشيء"، وعبر البعد البصري والخطوط المائلة المرئية والخيوط الوهمية ولعبة الأضواء التي توحي بكثافةٍ وهميةٍ في المادة، تنشأ "أنطوفانيا" فضاء المادة المنفصل والمنعزل.
عن آلية نشوء كينونة المكان ورهبته التي تجعله يأتي إلى الناظرين ككيانٍ في ذاته. الكائنات الرقمية هي امتداد لهذا المفهوم في عصرنا الرقمي، حيث تتحول الشاشة إلى فضاء ميتافيزيقي يولد كينونات جديدة.
إن التقنيةَ "آلةٌ ميتافيزيقيةٌ" تخرج كينوناتٍ من العدم إلى الوجود. نحن لا نبتكر التقنيات، بل نخلقها كما تخلق الآلهة العوالم.
لقد نظروا إلى معمارية التمبلوم كهندسةٍ ذاتيةٍ وبصريةٍ. لذلك يُشرعُ عالمُ الخطوط المرئية وغير المرئية رحلةَ المخيلة والروح نحو مستوياتَ حسيةٍ لا تتحقق إلا في حالاتٍ نادرةٍ، إذ إن المعماريةَ الساحرةَ جدًا عليها أن تتجاوز السطحيةَ وتتوجه بجوهرها كي تحقق الـ"نيومين".
اليوم، يمكننا أن نرى كيف أن الشاشات الرقمية أصبحت تمبلوم العصر الحديث، حيث تخلق كينونات رقمية تمتلك روحها الخاصة وتؤثر فينا بطرق عميقة. الإيموجي، الميم، الصورة الرقمية - كلها كائنات تمتلك وجودها الميتافيزيقي الخاص.
نحن نخلق عوالم رقمية كما خلق الإغريق معابدهم - بوعي كامل بأننا نصنع فضاءات ميتافيزيقية قادرة على استضافة الكينونات الجديدة.